" حلم باهظ"

1-
ملّتْ الحديثَ العابرَ عن الحبْ. كَرِهتْ كل القصصِ والروايات الملفَّقة ونهاياتها المزركشة بأحلام اليقظة.
لم تُؤمن بتاتاً بتلك المسلسلات والأفلام التي تبدأ بعذاب وتنتهي بفرح .. لكنها لم تمل الخروج في نزهةٍ خاطفة، ولم تكره الحديث عن نفسها إلى نفسها قط بينما تداعب وسادة بجانبها وكأن أحداً ما كان هنا!
تَحِنُّ الى بضع دقائق تلقي بكلّها على بعضه، حتى أصبح الحنين حُلْماً! ولولا خوفها على أطفالها الأربعة، وتجاعيد القهر والحرمان التي بدأ الزمن بحياكتها على وجهها، لبحثت عن فارس حقيقي لحلمها.. حتى الحلم ما عاد له مكان في ذاكرتها؛ فصراخ أطفالها لا يدع لوقتها وقتاً تحلم به، أثناء ساعات عملها تفكر بهم، وعند عودتها تبدأ عملها الثاني في البيت، حتى إذا وقع بصرها على الساعة وجدتها تشير إلى الثانية عشر ليلاً، تشعر بالصداع وتذهب إلى السرير لتعانق وسادتها.
بعد أربع ساعات من منتصف ليل كل يوم، تستيقظ هَلِعةً من صوت الطرقات المتتالية على باب البيت، وكعادتها تذهب لتفتح الباب لشبه انسانٍ تنبعث منه روائح تشمئز منها الموتى، فيحاول جاهداً الوقوف على قدميه.. وباشمئزاز شديد، تمسك بيده حتى تُلقي به على السرير، وتنام هي على بطانية موجودة على الأرض.لتستيقظ عند السادسة فجراً وتبدأ يوماً جديداً!


-2-
أنارت الدنيا في قلبها لدرجة أنها نسيت أن تسأله عندما تقدم لخطبتها عن جانبه المظلم.أليس لكل منا جانب مظلم؟ لم ترَ أمامها الا حُلم كانت تحلم به كل يوم: يا تُرى كيف سأكون بذاك الثوب الأبيض؟
و تحقق حُلمها ورأت كيف هي بذاك الأبيض وكَبُر حُلمها كثيراً فقد أنجب حُلمها ولدين وابنتين..واستطاع هو إقناعها بأن تظل ساكنةً في حُلمها حتى ينتهي عمله في الجانب المحتل..ظلت هي تحلم، بينما كان يراودها كل سنتين دون اية اتصالات أو رسائل حب أو برقيات اطمئنان.
كانت تتعلم العمل دون شهادة في احدى المؤسسات، بينما كان هو أستاذٌ في «النصب والاحتيال» ..أصبح قدومه اليها فقط كلما حن الى أول ليلة من حُلمها، ثم يغادرها لتعود إلى حالها ..لم يستطع العودة اليها مطلقاً بعد أن كثرت عملياته في النصب..كره أولاده وبناته.
صار غيابه كغياب مفقود في معركة، انتظرته ولم يعد ..كَبُرَ الأولاد ولم يعرفوا أباهم ..ذات يوم سألوها عنه، فارتعدت واستيقظت فجأة من الحلم..

-3-
شعرت بعض الأفاعي بالجوع الشديد فحركت كل حواسها لاصطياد أقرب فريسة اليها. الأفاعي تشتم عرق الحمامة التي ترقص من الألم، علَّها ترسم بسمة على فراخها الأربع. حاولت جاهدة أن تعلمهم الطيران بأسرع وقت ممكن قبل أن يحاصرهم الموت.
أنهكتها المطاردات والمراوغات.. كانت تشعر بأن وراء كل حبة قمح شِركٌ جديد، حيث كانت تتنازل عن حبات قمح كثيرة خوفا من شركٍ هنا أو هناك، كانت مع كل مراوغة أو مباغتة تخوض حرب استنزاف كبيرة وقاسية، حتى أصبحت حبة القمح كابوس عندها.
لم تكترث لجوعها ولا لعطشها، بل ستموت من أجل أن لا ترى فراخها وقد مزقت ريشها أفعى وتركتها عارية تنتظر الموت البطيء.. فجأة وعندما عادت ذات يوم الى عشها كانت الفراخ قد تعلمت الطيران فطارت ولم تعد للعش بعدها!



بقلم اخوكم:صمود/المتسكع

06-04-2009