السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لدي استفسارات عن علامات الساعة..

أولاً: هل قتل الخنازير -المنتشر في هذه الأيام- من علامات الساعة؟ فبعد ظهور هذا الفيروس أُمر بقتل كل الخنازير الموجودة في العالم..





الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة النصح والإثارة بالأوهام؛ بلا توثيق للخبر، ولا استشارة لأولي الأمر من علماء الشريعة، ولا توثيق للخبر من قبل المُختصِّين في العلوم، وهي ظاهرة تغلب فيها المفسدة على المصلحة؛ لأنها تمهد للفتوى بغير علم، ولإهمال دور علماء الشريعة في توجيه الأمة وفق المنهج الرباني، ولإهمال دور المختصين في العلوم التجريبية في كشف زيف الشائعات المُغرضة التي لا يتفق مضمونها مع ثمرات الكشوف العلمية ليلتهم المغرضون الأمة من بعد لقمة سائغة.

ويستند النصح بالأوهام عادة على الغرائب والتعسف في تأويل نصوص الشريعة، وينتشر الخبر رغبة في التذكير والموعظة لإعادة الناس إلى الدين على طريقة القصاصين الذين برر أحدهم كذبه بقوله: (أنا لا أكذب على رسول الله – عليه الصلاة والسلام - بل أكذب له)، أو كالذي روى أحاديث مزورة عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين بغير معرفة بشخصيهما، ولا علم بحضورهما؛ فلما راجعاه قال متبجحًا: (أحمقاوان أنتما.. أليس يوجد أحمد بن حنبل ولا يحيي بن معين غيركما)!.

ولم يعد خفيًّا أن الخنازير مخزن لجملة من الأمراض والأوبئة خاصة أنفلونزا الخنازير حاليا، ولكن إبادتها جماعيا لم يتم في كافة الدول فعليا لأسباب اقتصادية أو طائفية، وفي أنباء الساعة أن المسيح عليه السلام هو الذي سيقتلها بيانا لمخالفة النصارى من بعده للتعاليم الموروثة بتحريم أكل لحم الخنزير، أما الزلازل الأخيرة بالقرب من المدينة المنورة تأكيد على أن المدينة وما جاورها منطقة بركانية تخفي تحتها بؤرة ملتهبة يمكن أن تثور في أي وقت تصديقًا لقوله عليه الصلاة والسلام في رواية البخاري: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى"، وأما اختراق كوكب للمجرة متجها نحو الأرض ليعلن عن قيام الساعة فهو خرافة لا تستند إلى رصد فلكي، ولا يليق بفطين تصديقها، فإن لكل كوكب مدارًا مستقرًا يقطعه في فترة محدَّدة، ولا يهيم في الفضاء بغير نظام ضابط وتقدير ثابت.

وقد سئل فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم عن صحة نشر شائعة مماثلة تعتمد على تنزيل أحداث نهاية الزمان على الواقع، وتتعسف في جعل بعض الوقائع الحالية من العلامات الكبرى للساعة قال: "هذا الموضوع فيه حق وباطل، فهو خليط بين صحيح وسَقيم..، لم تظهر العلامات الصغرى كلها بعد..، فهذا حديث خُرافة..، غير صحيح؛ بل هو محض خيال"، وفي فتوى أخرى دفع مثل تلك الأوهام بقوله: "هذه خيالات وأوهام، ولا يجوز نشر مثل هذه الأوهام، ولا التعلّق بها، ولو كان في نشرها خير لَدَلّ النبي صلى الله عليه وسلم أمّتَه عليه، والتعلّق بمثل هذه الأشياء هو شأن العرّافين والكُهّان والدّجّالين".

فينبغي إذن الحذر والحيطة عند ربط النصوص الدينية بالظواهر الطبيعية والاجتماعية؛ لأن التعجل بإنزالها على الواقع بلا بينة مجازفة وشهادة بغير علم، وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة مع ترصد من ينتظر زلة ليطعن في نصوص الوحي، والخوض في المسائل الغيبية كتوهم ظهور العلامات الكبرى للساعة، وظهور المهدي بغير يقين لا طائل تحته سوى فتح باب للجدل لاختلاف التصورات، ولا فائدة تُرجى سوى إضاعة الوقت، وإنزال الأنباء على الواقع بلا مستند تعسف، والأولى توجيه الاهتمام إلى ما يفيد الإنسان في دنياه وآخرته، لا إضاعة عمره في التشاغل بالغرائب، والأسلم هو منهج السلف من علماء الأمة في تناول الغيبيات؛ وهو التفويض لله تعالى بلا تكييف ولا إنكار حتى تتحقَّق الأنباء في الواقع وتفسرها الأيام، وفي رواية الشيخين لنا عبرة في قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن موعد الساعة: "وماذا أعددت لها؟".