الحج توبة وإنابة
الحمد الله الذي وفق ما شاء من عبادة إلى حج بيته الحرام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتطفا أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد


الحمد الله الذي وفق ما شاء من عبادة إلى حج بيته الحرام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتطفا أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد: فيقول الله جل وعلا: (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركآ وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )),,,,, روى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن شماسه قال: ( حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت فبكى طويلآ وقال: لما جعل الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ابسط يمينك لأبايعك, فبسط يده فقبضة يدي, فقال: مالك يا عمرو, قال: أردت أن اشترط, قالـ تشترط ماذا؟, قال: أن يغفر لي, فقال صلى الله عليه وسلم: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله )) الله أكبر,,,, (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالآ وعلى كل ضامر يأتينا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم )),,,,, قال ابن اسحاق: ( لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حج هذا البيت ) وقال غيره ( ما من نبي إلا حج ),,,,, رفع إبراهيم القواعد من البيت فلما فرغ أمره الله أن ينادي بالناس إن لله بيت فحجوا فسار ركب المؤمنين إلى تلك العرصات وعلت بهم هممهم ففارقوا الأهل والأوطان إلى بيت الله الحرام مجيبين داعي الله يملأون الآفاق تهليلآ وتكبيرا وتوحيدا نداؤهم لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك,,,,, وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة, فمررنا بوادي, فقال: أي وادي هذا؟ فقلنا: هذا وادي الأزرق, فقال صلى الله عليه وسلم: كأني انظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم واضعآ إصبعه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبيه مارآ بهذا الوادي , قال ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: كأني انظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبت من صوف, خطام ناقته ليف, مارآ بهذا الوادي ملبيا ),,,,, وقال صلى الله عليه وسلم: (( لقد مر بالروحاء"وهو موضعآ بين مكة والمدينة" لقد مر بالروحاء سبعون نبيآ فيهم نبي الله موسى حفاة عليهم العباءة يأمون بيت الله العتيق ))رواه أبويعلي والطبراني وحسنه العلامة الألباني,,,,, ثم حج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فاظهر فيها تمام الحب والذل والإفتقار إلى ربه جل وعلا يقول أنس رضي الله عنه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث قطيفة خلقه تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ))رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب ثم اقتدا سادة الأمة,,,,, فها هو الحسن بن علي رضي الله عنه يحج خمسة وعشرين حجة ماشيا,, وأبو عثمان النهدي رحمه الله وغفر له حج لله ستين مره يقطعون الفيافي والغفار رغبة في رحمة العزيز الغفار واستجابة لربهم القائل: (( وأذن في الناس يأتوك )),,, ساق الشوق تلك القلوب إلى حرمه رجاء جوده وكرمه وه القائل جل وعلا في محكم التنزيل عن إبراهيم عليه السلام لما دعا ربه فستجاب له: (( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم )),, أولئك قوما أختصهم الله بالقرب منه وأسعدهم بطاعته والتذلل له فقوى عزائمهم وثبت قلوبهم ففارقوا الأهل والأحباب والأصحاب (( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )),,,,, ندائهم لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك بهذا النداء الحبيب إلى النفوس المؤمنة وبهذه الكلمات المشرقة التي هي رمز التوحيد والإيمان وعنوان الخضوع والإذعان واعتراف بالجميل والإنعام, يرفع حجاج بيت الله الحرام أصواتهم مسلمين لله وجوههم يحدوهم الرجاء بعفوه ومغفرته ويحثهم الشوق إلى زيارة تلك البقاع المقدسة التي فيها الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس وزمزم العين الثرة المباركة ومقام إبراهيم عليه السلام الذي يشهد له بالإخلاص والإمتثال فيها منى ومزدلفة وعرفات حيث تقال العثرات وتغفر الزلات,,,,, لقد شاء الحكيم جل جلاله أن تكون التلبية بالحج والعمرة بهذه الكلمات المباركات ليكون إذانآ من قاصد بيت الحرام بنبذ الشرك وعبادة كل ما سوى الله جل جلاله من حجر أو شجر أو قبر ولي أو نبي وأن العبادة كلها للواحد القهار (( قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له )) أمة الإسلام أمة القرآن حجاج بيت الله الحرام كان من هدي سلفنا الصالح تشويق العباد إلى حج البيت الله الحرام وبيان ما في الحج والعمرة من الفضل والإنعام نصحآ لأهل الإيمان فإليكم هذه الأحاديث والمواعظ والمواقف والفضائل ما جمعت والله إلا إنها تذكرة لمن صدق عزمه على حج البيت الحرام بما له عند الله وه المليك العلام وبشارة له في خير الدنيا والآخرة والظن بالله جل وعلا وأنه ما ساق تلك القلوب إلى أداء فريضة الحج إلا تشريفآ لأهلها ورحمة وإيفام ذلك فضل من الله وكفى بالله عليما, هنيئآ للمستجيبين الذين لم تحجزهم عن القيام بهذا الفضل نفقاته ولم تثني عزائمه متاعب الطريق ومشقاته ولم تزعزع نواياهم وساوس الشيطان الرجيم ونزعاته بل غلبهم الشوق فطارت قلوبهم قبل أجسادهم إلى تلك المشاعر العظام, هنيئآ لهم حيث رفعوا أصواتهم بالتلبية والثناء على ربه جل وعلا فأحسنوا الظن به فأنالهم عفوه وأفاض عليهم من جوده وكرمه وإنها أيضآ تذكرة للقادرين القاعدين عن حج بيت الله الحرام فما العذر أيها القادر على الحج إذا أوقفك ربك يوم القيامة موقف الذل والصغار وعدد عليك ما خولك إياه في الدنيا من الأموال والعقار وذكرك بما حباك به من قوة واقتدار ثم سئلت فما بلغ النداء أما قادر على تحمل المشقة والعناء فما تستجيب أيها المسكين في هذا الموقف العظيم,,,,, قال عمر رضي الله عنه: ( لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظر إلى كل من كان عنده جزة ولم يحج فيضرب عليه الجزية ما هم بمسلمين مل هم بمسلمين ),,,,, الحج ركن من أركان الإسلام لا يجوز للمستطيع تأخيره إلى السنة المقبلة فإن فعل أثم, فعسى الله أن ينفع بهذه المواعظ والزواجر فيكون ممن أسعده الله في طاعته فستعد لما أمامه وغفر له زلة وإجرامه إن الله ولي ذلك والقادر عليه الله أكبر إذا أذن مؤذن الحج رأيت صدى دعوته تتجلجل في جنبات العالم الإسلامي ويهز المشاعر هزآ إلى أرض الحجاز وإلى الكعبة قبلة المسلمين يقول ابن القيم رحمه الله في شأن بيت الله الحرام وشوقهم إلى تلك الأماكن العظام: أما والذي حج المحجون بيته ,,,,, ولبوا له عند المهل وأحرم وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعآ ,,,,, بعزة من تعلوا الوجوه وتسلموا يهلون بالبيداء لبيك ربنا ,,,,, لك الملك والحمد الذي أنته تعلموا دعاهم فلبوه رضاء ومحبتآ ,,,,, فلما دعوه فكان أقرب منهموا تراهم على الأنظار شعث رؤوسهم ,,,,, غبرآ وهم فيها أسروا وأنعموا وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبتآ ,,,,, ولم يثنهم لذاتهم والتنعموا يسيرون من أقطارها وفجاجها ,,,,, رجالآ وركب ولله اسلموا ولما رأت أبصارهم البيت الذي ,,,,, قلوب الورى شوقآ إليه تضرموا كأنهم لم يصبوا قط قبلوه ,,,,, لأن شقاهم قد ترحل عنهموا فالله كم من عبرة مهراقة ,,,,, وأخرى على آثارها لا تقدموا إذا عاينته العين زالت ظلامها ,,,,, وزال عن القلب الكئيب التألموا الله أكبر إنها رحلة مباركة إلى بيت الله الحرام, رحلة إلى بيت الله الحرام خضوعآ وتذللآ لرب العالمين وطاعة له إذ قال: (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) فيا راحلين بيت الله الحرام فهنيئآ لكم وابشروا بفضل الله وكرمه فإن الله جل وعلا أختصكم من بين خلقه لعمارة بيته الحرام والتلذذ بمناجاته في تلك المواقف العظام, هنيئآ لكم فقصدتم بلاد فضلها الله وشرفها وجعل عرصاتها مناسك لعباده تحفوا إليها قلوب المحبين وتحن إليها أفئدة المخبتين يحن إلى أرض الحجاز فؤادي ,,,,, وتحذوا اشتياقي نحو مكة هادي ولي أمل ما زال يسموا بهمتي ,,,,, إلى البلدة الغراء خير بلادي فيها الكعبة التي طاف حولها ,,,,, عباد لله خير عبادي ليقضي فرض الله في حج بيته ,,,,, بأصدق إيمان وأطيب زادي أطوف كما طاف النبيون حوله ,,,,, طواف قياد لا طواف عنادي مكة خير أرض الله وأحب البلاد إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حرمها الله يوم خلق السموات والأرض,,,,, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختني خناها ولا تحل سقطتها إلا لمنشر ولا تحل لقتطها إلا لمنشد فمن هم بسيئة فويل له إذ الله جل وعلا يقول: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )),,,,, فالله كم انفق من حبها من أموال ورضي المحبون بمفارقة فلذات الأكباد والأهل والأوطان لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها حتى يعود إليه الطرف مشتاقا سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنا يردون إليه ويرجعون عنه ولا يرون أنهم قضوا منه وطرا, ولما أضاف الجبار ذلك البيت إلى نفسه يقول جل وعلا لخليله إبراهيم: (( وطهر بيتي )) تعلقت قلوب المؤمنين به وكاما ذكر لهم بيت الله الحرام تحنوا وكلما تذكروا بعدهم عنه تأوهوا وأنوا, جعل البيت مثابة لهموا ليس منه الدهر يقضون الوطر,,,,, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ))خرجه أبو داود في سننه,,,,, وقال موسى نبي الله صلوات الله وسلامه عليه (( وعجلت إليك ربي لترضى )),,,,, ويقول الله مادحآ بعض عباده المؤمنين (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبآ ورهبآ )),,,,, وفي الحديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم )),,,,, وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )),,,,, ومن أجل ذلك قال أهل العلم يجب الحج على الفور فليس للمؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤخره,,,,, يقول عمر رضي الله عنه: ( ليمت يهوديآ أو نصرانيآ رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخليت سبيله ) ,,,,, وقال علي رضي الله عنه: ( استكثر من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه ),,,,, يقول الله جل جلاله: (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامآ للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا إن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وإن الله بكل شئ عليم )),,,,, روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري: ( أنه تلى هذه الآية فقال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة ) معاشر المؤمنين كثرة النصوص المرغبة في الحج بيت الله الحرام وهذا من رحمته ورأفته بأمته صلوات ربي وسلامه عليه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (( من حج لله ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )),,,,, من أدى هذا وأحسن فيه فليبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )),,,,,, الحج والعمرة من أسباب مغفرة الذنوب وسعة الأرزاق لقول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: (( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي كير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة )),,,,, نعوذ بالله أن نكون من قوم حرموا طاعة الله والتقرب إليه,,,,, ففي صحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أن الله عز وجل يقول: أن عبدآ صححت له جسمه وأوسعة عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد لي إلا محروم )),,,,, وكيف لا يكون محروم لن يكن مع قوم يباهي الله بهم ملائكته وينصرفون من تلك المواقف العظيمة وقد غفر الله لهم ما سلف من الذنوب والعصيان (( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات واكبر تفضيلا )) معاشر المؤمنين إن حجاج بيت الله الحرام قريبون من ربهم جل وعلا إن سألوه فهم أهل أن يستجيب دعائهم, في سند ابن ماجة وصحيح ابن حبان من حديث عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الغازي في سبيل الله عز وجل والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم )),,,,, وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما ترفع أبل الحاج رجلآ ولا تضع يدآ إلا كتب الله بها حسنة أو محا عنه سيئة أو رفع بها درجة )) رواه ابن حبان,,,,, ومن البشائر ما رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما أهل مهل قط إلا بشر "أهل: أي رفع صوته بالتلبية" ولا كبر مكبرآ قط إلا بشر, قيل يا رسول الله: بالجنة, قال: نعم )) رواه الطبراني في الأوسط وهو في صحيح الجامع,,,,, وفيه أيضآ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في استلام الحجر والركن اليماني: (( فإن استلامهما يحط الخطايا حطا )),,,,,, وقال في الطائف بالبيت العتيق: (( ما رفع قدما ولا وضعها إلا كتب الله له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات )) اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم نسألك الهدى والعفاف والغنى, اللهم يسر لنا الخير حيث ما كنا, اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام, اللهم احفظهم يا أرحم الراحمين, اللهم أعنهم على العمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم