الحمد لله رب العالمين، الحمد لله، كتب على خلقه الموت والفناء،
وتفرَّد - سبحانه - بالحياة والبقاء،
الكلُّ يفنى ويموت، وسبحانه يحيي ويميت، وهو الحي الذي لا يموت؛
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا وكتب علينا الموتَ وجعله سبيلاً للقائه؛
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، قال له ربه:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}
صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وآل بيته الكرام،
ومَنْ سار على نهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إخوتى الكرام....
ليس على الدنيا باق
وكلنا الى زوال
فالكل سيموت اجلا او عاجلا
ولن يبقى الا ذكراه
ومواقفه الطيبة
او اعماله الخبيثة
وقديما مر من هنا رجالا...
سطروا بدمائهم ودمع عيونهم مواقف تعلم الدنيا الادب والاخلاق والقيم والمبادئ
التى استقوا مفاهيمها من خير الورى وسيد ولد ادم
فدعونا نستنشق عبير سيرة هؤلاء
ونحيا فى رحاب مواقفهم العطرة الطيبة
لنتعلم ونأخذ منهم العبر
ولنفهم كيف اعتز هؤلاء بدينهم وراقبوا ربهم ففازوا وسادوا
واما من تنازل وتخلى وباع دينه بدنياه
فعذرا لقد فقد من حياته طريق النجاة


طهرنى يا رسول الله
أتت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- فأخبرته أنها زنت،
وأنها أسرفت على نفسها، فأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه لا يريد أن تعترف،
لأنه يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات} يريد أن يستر على هذه المرأة،
فأتته من الجهة الأخرى فاعترفت، فأشاح حتى اعترفت أربع مرات،
وهي تطلب أن يطهرها عليه الصلاة والسلام، وهي ثيب،
وحد الثيب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، لكن قدمت نفسها رخيصة في سبيل الله.
فقال لها صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعيه}
فعادت حتى وضعت ولدها وأتت به في لفائف، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال:
{عودي حتى ترضعيه} فأرضعته سنتين، ثم جاءت به وفي يده كسرة خبز،
جاءت صابرة محتسبة تريد الله والدار الآخرة؛
فأُخذ ولدها ثم أخذوها وذهبوا يرجمونها بالحجارة وهي صابرة محتسبة،
فلما رجموها طاش شيء من دمها على أحد الصحابة فسبها
فقال عليه الصلاة والسلام وقد سمعه:
{والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها سبعون رجلاً من أهل المدينة لوسعتهم }
وفي لفظ:
{والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم،
والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة }

قد تكون القصة عادية وسمعها الكثيرون منا سابقا
ولكنني عندما تأملتها هذه المرة حقا وصدقا.....
بكيت........ وتعجبت
بكيت...... لأنني لم أكن أتخيل كيف يتغلب الإيمان والندم على الذنب
وعلى الشيطان ويذله بهذا الشكل
بكيت لان هذه المرأة علمتني درسا أستحيي من نفسي والله بعده ومن عملي وفعلي
الذي كنت أظن أنني أحسنه
فالإنسان منا ليس بملاك...
إنما هو بشر مهما كان تقيا أو ورعا أو يسير في الطريق المستقيم
إلا انه يبقى بشر قد يزل يوما وقد يخطئ
وهذا ما فعلته هذه السيدة فهي أخطأت
نعم أخطأت وهتكت الستر الذي بينها وبين الملك
نعم فعلت...
ولكنها عندما عاد إليها صوابها تذكرت عظم جرمها وهانت عليها نفسها
وأبت إلا أن تتطهر من الأوساخ والأنجاس التي مرغت فيها نفسها
فذهبت مسرعة للمصطفى صلوات ربى وسلامه عليه
صارخة بكل ذرة في كيانها وجسدها وعقلها ....
طهرني يا رسول الله؟؟؟
ذهبت إليه ......وهو تعلم جيدا انه سيفتضح أمرها أمام الناس وعلى الملأ.....
ولكن لا يهم.... فقد زنت وهى أمام رب الناس وما استحت منه
فهل تستحى الان من الناس ؟؟؟؟
ذهب إليه ... وهى تعلم أن عقوبتها الموت ...
ولكن لا يهم.... لان الموت إذا كان جزاء من الله وعقابا لها
ليطهرها ويغفر لها خطأها
فمرحبا به وأهلا.....
ذهبت إليه وهى تعلم انه لا مفر من القصاص ...
ولكن هذا ما كانت تريده وتتمناه لتذل الجسد الذي استمتع بالحرام
وسعى له وقبله فان له الآن أن يذوق الألم والعذاب
كما تذوق اللذة المحرمة ليتطهر ويعود لأصله الطيب
ذهبت إليه.... وكل ذرة من جسدها وكيانها تصرخ وتبكى
ندما وحرقة على ما فعلته واقترفته
يا الله .... يا الله
من أنت أيتها العظيمة؟؟
من أنت أيتها الكريمة
من أنت أيتها الشامخة بتوبتها وأوبتها؟؟
ومن نحن .... نحن الذين نجاهر الملك ليلا نهار بالمعاصي والذنوب
ووالله ما استحينا وما أهمتنا جرئتنا على الله
نحن الذين نكذب ونتجمل وقد نقسم بعزة الملك وهو المطلع علينا كذبا ونفاقا
لندارى ونغير ونجمل أخطانا أمام الناس حتى لا نفضح أمرنا أمامهم

أين أنت من ذنب اقترفته ثم دفعت حياتك كلها ثمنا وندما وبحثا عن التوبة والتطهير
ولم يراك أحد من الناس او يعلم بجرمك أحد !!!
ورب العزة يقول ...
عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
"والذي نفسي بيده لو أخطأتمحتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض،
ثم استغفرتم اللّه تعالى لغفر لكم،
والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا
لجاء اللّه عزَّ وجلَّ بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم"
وأين نحن
من ذنوب تخر لهولها الجبال وأقل ما توصف به...
بأنها لأناس لا يعرفون أن لهم خالقا وألها عظيما يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور
وأنهم مهما طال بهم الأمد سيجثون بين يديه في ذلة وانكسار
لا تقوى أقدامهم التي طالما سعوا بها في الدنيا لارتكاب المعاصي على حملهم
والوقوف بهم بين يدي الله
ولا تقوى شفاههم التي طالما تجملوا بها وكذبوا وأغروا بها السذج والبسطاء بحلو كلامهم
وأسقطوهم في شباكهم
أو
هذه الشفاه التي طالما تألهت على الله وغيرت وتجرأت على كلامه
لن تقوى هذه الشفاه في ذلك اليوم على النطق
بل سيخرص عنهم اللسان ويصرخون بكل ذرة بهم
رب ارجعون على أعمل وأكون من الصالحين
فهنيئا لكي يا سيدتي
وتعسا لنا إن لم نستفيق قبل أن يفوت الأوان
لهذا بكيت
لأنها بشر مثلنا وأخطأت مثلنا
ولكن هيهات بيننا وبينها
هيهات بين قلب ذاب ندما ورغبة في التوبة و التطهير
وبين قلوبا تحجرت بل صارت أشد من الحجارة قسوة
ولكنني تعجبت أيضا...
من رحمة المصطفى أولا بها ورحمته بصغيرها
( ولكن لا عجب فهذا هو الرحمة المهداة الذي ما أرسله الملك إلا ليرحم به العالمين )
بل تعجبت من فعل هذه المرأة...
ما هذا يا امرأة ؟؟؟؟
أليس في جوفك قلب .... ينبض بالحب والمشاعر ؟؟
أليس هذا صغيرك؟؟
كيف تصبرين على فراقه ؟؟
كيف تطاوعك نفسك على الذهاب للموت وتركه وحيدا في هذا العالم؟؟
تحملت مشقة حمله تسعة أشهر ثم صعوبات ولادته وعشت معه
وعاش في حضنك وبين ذراعيك سنتين
وأنت ترينه يكبر لحظة بلحظة وروحك تزاد تعلقا به وحبا؟؟
كيف تتخلي عن كل هذا؟؟
اى امرأة من بشرا أنت بل اى حجرا تحملين في جوفك؟؟
تعجبت حقا ....
من هذا الإيمان وهذه القوة التي والله قد لا توجد في قلوب الرجال أو أشد الرجال
انه الإيمان والرغبة في التوبة والخلاص من ذنب يثقل الكاهل
بل ويحيل حياتها إلى جحيم خوفا من أن تلقى الله وهى لم تتطهر منه بعد
أو أن تقبض وما تزال تحمل وزر ذنب لم يغفر لها
يا الله
إصرار...... وقوة..... وعظمة.....
وحب لله....... وتوبة
لم يستطع الشيطان أن يهزمها هذه المرة
لم يستطع الشيطان أن يحول بينها وبين ما تريد وتتمنى وتسعى جاهدة مصرة لفعله
عجز الشيطان بكل قوته على أن يغير من رغبتها وعزيمتها وإصرارها
على الموت والتطهير..... رغبة في المغفرة والتكفير والعفو من الله
بل أكاد أتخيل...
أن الشيطان ربما ندم وبكى ندما وحرقة على إغوائه لها في المرة الأولى
لان هذا الإغواء وهذا الذنب الذي ارتكبته كان سببا في توبة الله عليها
ومغفرته لذنوبها ودخولها الجنة
يا الله...
عندما يدخل الإيمان وحب الله في القلب
عندما يسكن القلب ويستشعر القلب عظمة الذنب
حينها لا يطيب له العيش أو الحياة إلا بالعودة إلى الله والى إرضاء الله
هل استشعرت قلوبنا هذا الإيمان؟؟
هل أيقنت قلوبنا كم هي عظيمة
ورهيبة ذنوبنا
والتي قد لا نعى عظمها أو هولها ووالله ما هذا إلا بسبب كثرتها وشيوعها اليوم
واعتيادنا على تكرار فعلها حتى صارت مألوفة لدينا لا نستشعر خطر وخطأ فعلها
فلله المشتكي والمال
فهذه أمرة زنت ........ ولكن توبتها غفرت لها ذنبها
بل إنها تابت توبة لو وزعت على سبعين رجلا لوسعتهم
ونحن منا من يرتكب الفاحشة ليل نهار
ليس بالضرورة بالجسد ولكن اليوم للفاحشة صور وأساليب كثيرة
سهلت طريقها وزينت فعلها
فمن منا صار اليوم يصرخ حينما يستشعر ذنبا فعله
طهرني يا رسول الله
أريد حقا العودة إلى طريق الله
؟؟؟؟؟
؟؟؟
؟