بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمة للعالمين وفرجاً،سيدنا محمد وعلى آله وصحبه السادة النجبا، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

لو تساءلنا :لماذا نجح أسلافنا في إقامة حياة مزدهرة على وجه الأرض وفشلنا؟ولماذا نشروا الأمن والسلام والخير والوئام بين بني البشر وعجزنا؟
ألنقص في كتبنا؟أم لقلة في إدراكنا وفهمنا؟!أم لبعدنا عن اتخاذ كتاب الله عز وجل - كما أراد سبحانه - منهجاً عملياً لنا؟!

وأهم السمات التي تميزت بها الشريعة السمحة:4 ـ - اهتمام القرآن بالعقل والعلم

تردد ذكر العقل في القرآن زهاء خمسين مرة، وذُكِرَ أولو الألباب بضع عشرة مرة،
وأولو النهى مرتين، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمنها قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} سورة البقرة: [الآية: 164].
وقوله عز من قائل:
{إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آياتٌ لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} سورة الجاثية: [الآيات: من 3-5].
وقوله جلّ وعلا: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} سورة الرعد: [الآية: 4].
وهذه الآيات وأمثالها دعوة قوية لإعمال العقل في هذا الكون وما أودع فيه من أسرار ومنافع، وذلك من أجل الاستفادة من طاقاته في بناء الحياة المزدهرة للفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء.
وقد ذم القرآن التقليد الأعمى في آيات كثيرة، لأنه يعمي العقل عن رؤية الحق، ويجعله منقاداً للأهواء والشهوات، ومن هذه الآيات قوله سبحانه: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاًولا يهتدون} سورة البقرة: [الآية: 30].
وحيث إن العقل لا ينمو إلا بالعلم، فقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماماً كبيراً، فأوَّل ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم *علّم الإنسان ما لم يعلم} سورة العلق: [الآيات: من 1-5].
ثم نزل بعد ذلك قوله عز وجل: {ن * والقلم وما يسطرون ثم نزلت الآيات تترى تُبيّن فضل العلم والعلماء، فقال سبحانه:{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
وقال أيضاً: {إنما يخشى اللـهَ من عباده العلماءُ}
وجعل سبحانه العلماء في المرتبة الثالثة بعد الله والملائكة فقال سبحانه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}سورة آل عمران: [الآية: 18].
وما من شيء أمر الله فيه نبيه والمؤمنين أن يزدادوا منه مثل العلم، فقال سبحانه: {وقل رب زدني علماً}( سورة طه: [الآية: 114].
هذا وقد بلغت الآيات الدالة على العلم ومشتقاته في القرآن (870) آية.
وأما الأحاديث الورادة في فضل العلم والعلماء فهي أكثر من أن تحصى، ولكن سنقتصر على ذكر أهم حديثين في هذا الباب وهما:
آ - ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة))رواه الترمذي عن أبي هريرة.
ب- ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما تكلم عن الجود فقال(ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علماً فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده..)) رواه أبو يعلى والبيهقي عن أنس بن مالك.
وأما كتمان العلم فهو جريمة في نظر القرآن، يستحق صاحبها اللعن والطرد من رحمة الله،وهذا ما أكده سبحانه بقوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} سورة البقرة: [الآيتان: 159-160].
وورد هذا التهديد أيضاً على لسان صاحب الرسالة، فقال صل الله عليه وسلم: ((من كتم علماً ألجم يوم القيامة لجاماً من نار)) رواه ابن عدي عن ابن مسعود ( الجامع الصغير، حديث رقم 8988 ).
وهذا الأمر له طرف آخر يشاركه فيه، ألا وهو التقصير في طلب العلم، كما هو حال كثير من المسلمين اليوم، فالتقصير في تعلم العلوم خيانة في نظر الشارع الحكيم، ولقد هدد رسول الله صل الله عليه وسلم أقواماً قصّروا في طلب العلم فقال: ((ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون، والله ليعلمن أقوام جيرانهم وليفقهنهم وليبصرُنَّهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في دار الدنيا)) أخرجه ابن راهويه وابن منده والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر عن أبزي الخزاعي[كنز العمال: 3/684].
وليس كل علم نافعاً في ميزان الشرع، وإنما العلم علمان: علم نافع وعلم ضار، فالنافع هو الذي يفيد في تكوين الفكر، ويخشع به القلب والجوارح، والضار هو الذي لا نفع له في الحياة، أو هو القراءة القولية دون العمل والتطبيق، والذي سيكون يوم القيامة حجة على ابن آدم لا حجة له، ولذلك فقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتعوذ بالله من علم لا ينفع رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أنس.
ولا يظنن ظان أن العلم في ميزان الشرع مقصود به العلم الشرعي فقط، لا، بل هو كل علم يخدم الإنسانية جمعاء، وليس أدل على ذلك من تنكير كلمة علم في حديث المصطفى السابق: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علما))،إذ إن هذا التنكير جاء ليشمل كافة العلوم النافعة للبشرية، دون أن يخصص به علماً معيناً.
وفي الختام نقول:إن الإسلام رسالة بناء ومجد، وعزة وكرامة، وهذا لا يقوم إلا بسلطان العلم والعقل،لذلك ومن هذا المنطلق، فقد حث القرآن على العلم لبناء صرح الحضارة الذي لا يأفل،
ونجم السعادة الذي لا يخبو، والعز الدائم الذي لا ينقطع.