كان يا مكان

يحكى أنه في زمان قريب.. تخاله النفس لتبدل الأحوال.. سحيقاً كان هناك شاب ملتزم اسمه: فلان!

يبدأ يومه بصلاة الفجر مع الجماعة، وقد أرهف السمع لآيات الحكيم العليم رق قلبه لآيات ربه ونزلت الآيات على محل قابل وسمع شهيد فلما سلم من الصلاة.. وكأنه فارق الحياة.. فقد انتهى لقاء مولاه ظل يمني نفسه بأنه عما قريب تشرق الشمس ويمر وقت الكراهة فيدخل على من لا قرار لنفسه.. ولا راحة لقلبه إلا بذكره.. سبحانه يبدأ رحلته اليومية مع الأذكار.. هذه رحلته في الغداة.. وله أخرى في العشي رحلة (أولي الألباب).

يتفكر في خلق السماوات والأرض.. ويذكر الله.. ويدعوه خوفاً وطمعاً فيجد من الفتوحات الربانية.. ما الله به عليم.

كأنه يرى الجنة والنار رأي عين يشهد قلبه معاني وآثار صفات من له الأسماء الحسنى والصفات العلى.. سبحان الله ويحمده.. مئة مرة.. لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. مئة مرة، سيد الاستغفار، رضيت بالله رباً.. الخ.. يخرج مع إخوانه يمشون في الطريق وقد بدأت نسمات البكور تداعبهم.. قلوبهم مطمئنة، وقد ذابت عنها كل شحوم الغفلة يتجاذبون أطراف الحديث وكأن كل واحد منهم ينتقي أطيب الثمار.. ليقدمها لأخيه أعذب الكلمات.. وأصدق الوداد، كل منهم خافض جناحيه للآخر.. فإن أحداً منهم لا يريد مجد نفسه وإنما الجميع يريد مجد الله. ولا يبتغي أحد منهم مدحاً.. بل الكل يردد: الحمد لله، يشحذ هذا همة هذا للعمل الدعوي، يصبر هذا أخاه على ابتلائه، يدعون للمسلمين في أنحاء الأرض بقلوب مهتمة مغتمة.. واثقة في نصر الله. يرجع صاحبنا فلان إلى البيت يغلق بابه، فهذا وقته الذهبي للطلب فبركة هذه الأمة جعلت في بكورها وهو يحتسب في طلبه هذا أن يرفع الجهل عن نفسه وأن يدعو إلى الله على بصيرة وأن يذب به عن المؤمنين ويقوم به لله سبحانه.. لا يخشى فيه لومة لائم.. لا تذهبوا بعيداً.. فتظنوا أنه يطلب العلم ليستطيل به على العالمين.. فذاك عصر لم يأت بعد!! اصبروا هو في عمله شعلة في الدعوة إلى اله الكل يحبه.. لأنه رقيق لطيف.. هاش باش لأنه فعلاً يشفق على المسلمين، ويرجو لهم الهداية والصلاح.. لا يسكت على منكر، ولكنه ينكره بحكمة وفطنة فتخرج الثمرات مباركة طيبة، هو في عمله تقي نقي لأنه قد ألقى الدنيا وراء ظهره لأنه يطلب الحلال.. ويعلم يقيناً أن البركة فيه غاض لطرفه.. حافظ لجوارحه عن كل ما يسخط ربه وهو في بيته صبور! يصبر على أهله ودود معطاءً، إذا بدر منه خطأ – وكل ابن آدم خطاء – لا يستنكف عن الاعتذار إذا رأى نقصاً.. أو وجد خللاً غض الطرف ما لم تنتهك محارم الله أتدرون من العاقل؟ الفطن المتغافل هو في بيته صاحب القلب الكبير يستمع إلى مشكلات أخته وأخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وولده، ويسعى في حلها، يذكرهم بالله ويدعوهم إليه.. مسابقات وكلمات وموائد قرآنية واصل لرحمه.. مكرم لجيرانه داعِ إلى ربه حسبما تيسر له متواصل مع المشايخ والدعاة وقته وقف لله إذا أخذ قسطاً من النوم قام يتأهب.. يتطهر ويتعطر.. هذا السواك.. وهذا المصحف يدخل مدرسة رهبان الليل التي خرجت على مر العصور: فرسان النهار. يناجي ربه.. ويتلو كتابه وتضيق العبارة عن وصف حاله.

هكذا كان.. صاحبنا فلان والزمان غير الزمان أما الآن فقد باتت هذه اليوميات.. ذكريات لأنه! @@@ قد دخل عصر الإنترنت @@@ صلاة الفجر.. كم ينام عنها؟ لماذا؟ إنه عصر الإنترنت.. كان يجاهد في سبيل الله! بالرد على أبي فلان.. وأم علان، أذكار الصباح والمساء كل عام وأنتم بخير!! لم يعد لها نصيب؟ المئة أصبحت عشرة؟ والثلاث تقال مرة ولربما قالها وهو بين المواقع والصفحات يتفكر في عجائب الماسينجر والتشات! أنسيتم؟! هذا عصر جديد.. عصر الإنترنت، إخوانه قلاهم.. وأهله جفاهم تنادي أمه عليه.. أي فلان تعال! فيردد المسكين: (رب أمي والإنترنت؟! أمي والإنترنت؟!) ويؤثر الإنترنت!! وماذا عن صبره؟ وتحمله للقاصي والداني؟ وبذله الندى في سبيل أحبابه؟

ذاك عهد مضى فالآن.. إذا وجد المتحدث بطيئاً بدأ يحدثه! (ريفرش) بتأففات وتبرمات، وعلامات الملل الظاهرات، وهات من الآخر وقتي ضيق! وما حصله من العلم في عصر ما قبل الإنترنت.. سخره الآن.. في الجدل، مع أن العلم يهتف بالعمل لا بالجدل!

صار بطلاً مفحماً كبيراً خانه الطرف الجموح وتراكمت الذنوب الصغيرة حتى أصبحت ذنباً كبيراً وتكرر الذنب الكبير وعلا الران قلبه ولم يعد يحس بألمه هجر الكتاب وترك القيام، فترت همته وضعف عزيمته، أما عن الحب في الله وسلامة الصدر وحفظ اللسان وتجنب الوقوع في المسلمين فليبك من أراد البكاء.

اليوم يحقد على فلان.. ويحسد علاناً وبينه وبين هذا من الخصومات ما تخر له الجبال، وتقلصت الحياة والطموحات والجهود في دائرة صغيرة.. لا تسمن ولا تغني من جوع، كان حريصاً على كل دقيقة.. في عصر ما قبل الإنترنت أما الآن.. فتمضي الساعات وكأنها لا تعنيه! فقده أهل بيته اشتاق إليه أولاده! أين أبونا؟ نريده!! نريد أن يجلس معنا يعلمنا ويداعبنا يربينا فنحن الأمانة! أين الأوقات الجميلة؟ في ظلال القرآن.. ورياض السنة؟ أيحب الإنترنت أكثر منا؟ أم أنه عنه سيسأل يوم القيامة.. لاعنا؟! بكى عليه الجميع، وافتقدوه، حتى مصلاه وكتبه كلها تقول: كما نحبه وأصبح صاحبنا فلان.. منظراً! ليس له من التزامه إلا الكلام.. الذي فقد بهجته ووقعه في النفوس تراكمت الذنوب واشتدت الغفلة وقست القلوب وابتعد عن مصدر الهدى وأقبل على الإنترنت فرط في الصلاة وهجر القرآن وغفل عن الذكر وترك الدعوة وأغلق الكتب وفتح الإنترنت ليت شعري ما دهاه؟

كان فينا غيمة تروي الحياة إنا لله وإنا إليه راجعون، يا ترى يا فلان هل ستعود يوماً هل سترجع.. أم ننفض أيدينا منك؟ لو أن لي بك قوة! لو أني أخلص إلى الذي غير أحوالك فأمسك هراوة كبيرة! وأنقض عليه ضرباً باليمين.. الإنترنت نعمة فاشكر الله يزدك من فضله ولا تغفل عنه فلا يبالي في أي واد هلكت وأتبع السيئة الحسنة تمحها واتخذ الشيطان عدواً فإنه متربص بك واحفظ قلبك ولحظك ولسانك وقلوب إخوانك واحفظ وقتك ردك الله سالماً، فقد اشتقنا إلى فلان الذي يملأ الدنيا بهجة.. بنوره وتقواه

صرخة فتاة من ضحايا (( الشات ))

هذه قصة حقيقية، ورسالة تقطر أسىً، وصلتني عبر البريد تقول الفتاة: أرجو منكم إفادتي في مشكلتي هذه:

أنا فتاة أبلغ من العمر 17 عاماً من بلد عربي، ما زلت في الدراسة الثانوية.. للأسف تعلمت استخدام الإنترنت لكني أسأت استخدامها، وقضيت أيامي في محادثة الشباب، وذلك من خلال الكتابة فقط، ومشاهدة المواقع الإباحية، رغم أني كنت قبل ذلك متدينة، وأكره الفتيات اللواتي يحادثن الشباب. وللأسف فأنا أفعل هذا بعيداً عن أعين أهلي، ولا أحد يدري.

ولقد تعرفت على شاب عمره 21 عاماً من جنسية مختلفة عني.. لكنه مقيم في نفس الدولة، تعرفت عليه من خلال (الشات).. وظللنا نلتقي على الماسنجر أحببته وأحبني حباً صادقاً لا تشوبه شائبة.

كان يعلمني تعاليم الدين، ويُرشدني إلى الصلاح والهدى، وكنا نُصلي مع بعض في أحيان أخرى، وهذا طبعاً يحصل من خلال الإنترنت فقط؛ لأنه يدعني أراه من خلال (الكاميرا) كما أنه أصبح يريني جسده، فأدمنت ممارسة العادة السرية.

ظللنا على هذا الحال مدة شهر، ولقد تعلمت الكثير منه وهو كذلك، وعندما وثقت فيه جعلته يراني من خلال (الكاميرا) في الكمبيوتر، وأريته معظم جسدي، وأريته شعري، وظللت أحادثه بالصوت، وزاد حُبي له، وأصبح يأخذ كل تفكيري حتى أن مستواي الدراسي انخفض بشكل كبير جداً. أصبحت أهمل الدراسة، وأفكر فيه؛ لأنني كلما أحاول أن أدرس لا أستطيع التركيز أبداً، وبعد فترة كلمته على (الموبايل) ومن هاتف المنزل أخبرته عن مكان إقامتي كما فعل هو ذلك مسبقاً، ولقد تأكدت من صحة المعلومات التي أعطاني إياها.. طلب مني الموافقة على الزواج منه فوافقت طبعاً لحبي الكبير له – رغم أني محجوزة لابن خالي – لكني أخشى كثيراً من معارضة أهلي، وخصوصاً أنه قبل فترة قصيرة هددني بقوله: إن تركتني فسوف أفضحك! وأنشر صورك! وقال: سوف أقوم بالاتصال على الهواتف التي قمت بالاتصال منها لأفضح أمرك لأهلك.

وعندما ناقشت معه الأمر قاله: إنه (يسولف) لكن أحسست وقتها بأنه فعلاً سيفعل ذلك، وأنا أفكر جدياً بتركه، والعودة إلى الله.

وكم أخشى من أهلي، فأنا أتوقع منهم أن يقتلوني خشية الفضيحة والسمعة، لا أقصد القتل بذاته بل الضرب والذل؛ لأن أبي وأمي متدينان ومسلمان، وإذا عرفا بأني أحب شاباً وأكلمه فسوف يقتلانني! أنا لا أعرف ماذا أفعل؟ أنا خائفة جداً. أريد الهداية. أريد العيش مطمئنة وسعيدة. مللت الخوف والتفكير.

أرجوكم ساعدوني، وبسبب هذه المشكلة تركت الصلاة، وتركت العبادة؛ لأني يئست من الحياة، مللت منها، أود الموت اليوم قبل الغد، لو ظللت عائشة على هذه الحياة فسوف يتحطم مستقبلي، ومستقبل أخواتي، وتشوه سمعتهن.

أريد تركه لكني أخشى من فضحه لي؛ لأنه سيُعاود الاتصال؟ كيف أمنعه من ذلك؟

أريد العودة إلى الله فهل سيغفر لي ربي؟ كيف التوبة وما شروطها؟
ومتى أتوب؟ أخشى أن أعود إلى ما فعلته سابقا. ما الحل؟

كيف أتخلص من إدمان العادة السرية خصوصاً أني أصبت ببرود جنسي؟ كيف أعالج ذلك من غير علم أهلي؟ ماذا أفعل؟ أرجوكم ساعدوني. لا أعرف ما أفعل، لا أستطيع أن أُخبر أحداً بهذا الأمر. أرجوك أجبني، وأرحني، فما زلت أحمل هذه المشكلة كهم كبير لا يقوى ظهري على حمله، فأنا ألتمس الجواب منكم. أرجوكم ساعدوني. ما الحل؟ أرجوكم بسرعة فلقد يئست.. ساعدوني لا أجد أحداً ينصحني! فساعدوني، ولا ترموا رسالتي، فأنا بأمس الحاجة أرجوكم.

انتهت رسالة الأخت التي تفيض بالعظات والعبر. فهل من مُعتبر؟
سوف أقف مع قولها:
أحببته وأحبني حباً صادقاً لا تشوبه شائبة. وقفت طويلاً عند قولها: (ولوجه الله) لا تشوبه شائبة).
المشكلة أن كل فتاة تتصور أن الذي اتصل بها مُعاكساً أنه فارس أحلامها، ومُحقق آمالها! وإذا به فارس الكبوات! وصانع الحسرات، ومُزهق الآمال، وصانع الآلام!

حُباً صادقاً لا تشوبه شائبة!! هكذا تصورته في البداية، ولكن تبين عفنه قبل أن ترسم النهاية! ثم تبين أنه نسخة من آلاف نُسخ الذئاب البشرية! الذين لا يهمهم سوى إشباع رغباتهم. هاهو يُلوّح بعصا (الصوت والصور)! إن لم تُحبيني فسوف أفضحك، وأنشر صورك!! وحُب على طريقة الإدارة الأمريكية!! أهذا حب صادق؟!

ومع قولها: (أنا خائفة جداً أريد الهداية أريد العيش مطمئنة وسعيدة، مللت الخوف والتفكير) – سبحان الله – ألم تكن في سعة من أمرها قبل أن تطأ أقدامها أرض جحيم (الشات)؟ فما بالها اليوم خائفة؟

ألم تكن في يوم من الأيام على طريق الهداية؟ فهاهي اليوم تبحث عنها!
ألم تكن عابدة في مصلاها؟ فما بالها تركت العبادة؟ إنه شؤم المعصية الذي حُرمت بسببه لذة الطاعة.
ألم تكن تعيش في سعادة غامرة؟ فعن أي شيء بحثت في سراديب (الشات)؟

بحثت عن السعادة، ولكنها خرجت تصيح من الجحيم: (أريد العيش مطمئنة وسعيدة) بحثت عن السعادة فعادت بالندامة تتمنى الموت اليوم قبل الغد! كل هذا تم في غفلة الوالدين! وعجيب قولها:
(وكم أخشى من أهلي، فأنا أتوقع منهم أن يقتلوني خشية الفضيحة والسمعة، لا أقصد القتل بذاته بل الضرب والذل؛ لأن أبي وأمي متدينان ومسلمان، وإذا عرفا بأني أحب شاباً وأكلمه فسوف يقتلانني!).

لقد فرطا كثيراً، وأهملا أكثر، وضيعا الأمانة. إنها الثقة العمياء المُطلقة يوم تُعطى للبُنيات على وجه الخصوص، فتؤتي أُكلها حنظلاً وعلقماً.

يوم يقول الأب: أنا أثق ببناتي!! أو بمحارمي عموماً! ثقة عمياء مطلقة!
وهل هن خير أم أمهات المؤمنين؟

ومع ذلك قال الله عز وجل في أدب أمهات المؤمنين: (‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) وقال في أدب المؤمنين معهن: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لماذا؟ (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فهل من مُعتبر؟ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏).

الرسالة وصلتني عبر البريد، فرددت عليها، واستأذنت الأخت في نشرها فأذنت، ونشرتها كما هي، إلا أني حذفت اسم بلدها