السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





- صباح الخير

- أهلا ً , صباح النور .. كيف يمكنني مساعدتك ؟


- ولـّاعة ….؟


- عفوا ً ..


- سيجارتي اللعينة … أريد إشعالها


- حسنا ً .. تفضل ..!




أول صدمة يتلقّاها الفرد في حياته هي صدمة الميلاد ( ( Birth Trauma , إذ يخرج من تلك البيئة الملائمة له ـ الرحم ـ الى بيئة غير سليمة ـ العالم ـ , و لو نظرنا لهكذا موقف نجد فيه انفصالا ً بشكل أو بأخر , انفصال بين عالمين , عالم مريح من الناحية السيكولوجية و الفيسيولوجية و الباراسيكولوجية , و عالم غير مطمئن البتـّة , خصوصا ً و أن فرويد قد صرّح مازحا ً في احدى محاضراته المُقامة في فيينا ” لولا مشقـّة الحياة لما ولدنا و نحن نصرخ و نجهش بالبكاء ! “



تعتبر صدمة الميلاد و ظروف الإنفصال الأولي للطفل المسبب الرئيسي للقلق , فـ نحن نشعر بالقلق و نسميه شعوراً وجدانياً بالرغم من أننا لا نعرف ماهية الوجدان ( Affect ) و هو شعور من حيث الوجدان شديد الكدر , يمكن اعتبار القلق ـ و ربما تخونني المصطلحات ـ رد فعل له مساقان من الإنحناءات : أن يتمكّن الإنسان من تلاشي الخطر أيا ً كان شكله أو أن يبقى القلق يسري في دهاليز لاوعينا الذي برأيي قد يمتد لدياجير اللاشعور الجَمْعي , بغض النظر عن تلك الأخيرة , نحن نمهّد للأتي .



و الأن … لا ينفك أن يلاحق صدمة الميلاد سلسلة من الإنفصالات في حياة الإنسان تؤدي بطبيعة الحال أن تهيمن مرتدية عباءة القلق في كل حالة إنفصال تحدث سواء سيكولوجيا ً أو فيسولوجيا ً أو باراسيكولوجيا ً , و فيما يخص بحثي سوف نندس بحثا ً عن دراسة إنفصال الطفل عن ثدي الأم , ما يُعرف بالعامية ( الفطام ) , بالرضاعة الطبيعية يحدث أن الطفل يتعّود على رائحة أمه أو رائحة سيلان الحليب على ثيابها أو رائحة عرقها …. آلخ , بالتالي يعتبر توقـّف الأنثى عن ارضاع الطفل بحد ذاته إنفصالاً لدى الطفل برمتّه بشكل أو بأخر , بالتالي تبعا ً لنظرية ” أوتو رانك ” الأنفة للذكر عن صدمة الميلاد , أليس من المفترض أن يحدث قلق لدى الطفل من جرّاء الإنفصال ـ نقصد هنا انفصاله عن ثدي الأم الذي لطالما أرضعه مدة سنتان و أعتقد بأن هكذا فترة كافية ليعتاد الطفل على أمور مشابهة كما ذكرنا سابقا ً ـ إذا ً هناك نوع من نشوء القلق لا محال .




لنتطرق قليلا ً لموضوع الكبت النفسي لدى ” سيجموند فرويد ” و الحاصل في اللاشعور ( Unconscious ) , حسب نظرية التحليل النفسي , من البديهي تواجد نوع من الكبت النفسي في لاشعور الطفل الذي استبدل هكذا موقف ـ الإنفصال ـ بالكبت السيسيولوجي , و بالتالي يمكن لهذا الكبت أن يظهر على شكل تفريغ للشحنات النفسية فيما بعد تعويضا ً منه عن حرمان , بحث عن بديل في الرواق .






وضـّح ” فرويد ” بأن السيجارة هي تعويضُ لفقدان ثدي الأم و لفقدان طمأنينة الرضيع أثناء فترات الرضاعة الأولى , هنا يحدث القلق فهو منبّه بشكل أو بأخر كما ذكرنا سابقا ً , هكذا يمكن التوصّل الى أن السيجارة تعويض لفقدان حالة التواصل مع ثدي الأم و التي تم فقدانها بعد الفطام و أحدث فجوة في اللاشعور و استبدلت في مراحل الطفولة المبكرة بالكبت و هنا تعود من جديد السيجارة كي تتخذ تعويض و بديل للحرمان من قلق الإنفصال الحادث في سنوات الحياة الأولى ـ تحديدا ً السنوات الثلاث الأولى ـ و يبدأ اللاوعي بتفريغ شحناته , لذلك نلحظ تلاشي في قلق الإنسان حين تدخينه لسيجارة بكل هدوء نسبي , بالتالي يمكن اعتبار نتاج الإنفصال حسب نظرية ” أوتو رانك ” قلق ظاهر و استبدل في لحظة بكبت غير ظاهر و أُعيد تفريغه من قبل اللاوعي في سن لاحقة بتعويض عن حرمان من خلال السيجارة , و هكذا تفسير يحتاج لمزيد من الصقل .



لندرس حالة التعويض , في حال نظرنا لأيدولوجية تفكير و إدراك الطفل و نموها خلال سنوات طوال لوجدنا أنه في تدخينه تعويضا ً عن ثدي الأم نوعا ً من التفكير التعويضي , و نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن تعويض فعلي , لنلقي نظرة على فكرة التعويض الأزلي لدى فرويد : يفترض فرويد بأن الإنسان الأولي و بالمجمل البشرية الأولى كان يحكمها ذاك الرجل البالغ و القاهر الذي حرم أفراد القبيلة أو ماشابه من حق إشباع غرائزهم الجنسية بمنعهم من الجماع مع نساء تلك القبيلة ذاتها , بالتالي نشأ لديهم كبت و جماح جنسي في لاشعورهم أدّى بالنهاية لإجماعهم على قتل ذاك الأب و فعلا ً فعلوا و فعلا ً أشبعوا , و لكن على حين غرّة انتابهم الشعور بتأنيب الضمير الذي سند إليه فرويد نشوء الحضارة و قاموا بالعمل بحثا ً عن بديل ـ هنا تكمن فكرة التعويض ـ عن ذاك الأب المقتول و كان وضعهم كقوة طبيعية مثل النار و الماء أو لحيوان كالأفعى و ماشابه بديلا ً بالأحرى لأبيهم الفحل لحاكم النزعة البشرية الأولي ذاك , و قد وضعت له حرمات و قوانين و هو ما تطور ليكوّن مفهوم الـطوطم بحسب ما نرى في كتاب فرويد ” الطوطم و الحرام ” .



بالتالي لو جمعنا أفكارنا قليلا ً , الفرد يتعرّض للإنفصال عن ثدي الأم في مراحل حياته الأولى ـ الأصعب فعليا ً ـ و ذكرنا بأن الإنفصال يولّد حالة من القلق كما فعل بدوره يوم الميلاد بحسب رؤية أوتو رانك و ذكرنا بأن فرويد بنظريته اللاشعورية هناك كبت يحدث و تفصيلا ً قد جُمعت أراء رانك و فرويد في كتاب الأخير ” الكف و العرض و القلق ” و تبعا ً لما تناولنا من فكرة التعويض لدى فرويد و احتفاء ً باللاشعور الجمعي الأنف للذكر أعلاه حسب رؤية صاحبه ” كارل غوستاف يونغ ” نرى بأن هناك هرما ً يحتاج لبعض التمحيص و التنقيح و مرورا ًً ببعض الظروف الجانبية يتعرّض الإنسان لصقل هذه الفكرة عبر الزمن و عندها يمكننا تخيل الموقف الحاصل هَهُنا .



لو أردنا الإطلال على علم الإجتماع ـ سامحا ً إيايَ ـ بدمجه مع علم النفس ـ و التحليلي منه خصيصا ً ـ لوجدنا أن في ظاهرة التدخين بشكل عام اختراق للمحظور بحيث يتبنى الفرد شعورا ً بثقة النفس العكسية كما أوضح إدلر في تجاربه لسلوكيات المجتمع على المستوى الفردي , إذ أنه في بعض الأحيان يمكن لأختراق المحظور و حسب المثل القائل ” خالف تعرف ” أو ” كل ممنوع مرغوب ” فإن الإنسان يتناول مسألة ظاهرة التدخين على أنها اكتساب لثقة مفقودة في اللّبنة الأساسية ألا و هي المنشأ التربوي الطبيعي بحسب رأي ” أيريك فروم ” و هي العائلة , لذلك يبدو و أن النوتة الموسيقية قد بدأت بالظهور و التجلّي , فإن الحرمان من الثقة و الإلتباسات حول القلق بفقدانها يعود ليعوّل علينا مسألة الطمأنينة بالتعويض و الإستبدال و ربما تمتد المسألة للإسقاط النفسي في بعض الأحيان لتتغلغل في صُلب الموضوع و تُظهر دعما ً لأرائنا المسبقة في الدراسة السابقة , فبالتالي من ناحية الإشباع الرغبوي لدى النزعة الإنسانية و بما أن السيجارة تتخذ صفة المحرم المنبوذ اجتماعيا ً فهي تفتح بابا ً لاستغلالها للشعور بالطمأنينة و الهدوء من القلق الناجم عن انفصال اجتماعي حاصل بين الفرد و المجتمع من جهة و بين الفرد و العائلة من جهة ٍ أخرى , و هنا نرانا نصطدم بالتحليل النفسي , فقد تحدث فرويد عن هكذا ظواهر و هكذا مسائل و هكذا قضايا في كتابه ” الطوطم و التابو ” حيث ُ وضّح فرويد بأن التابو هو من المحرمات أعرافاً أو ما شابه بالتالي محاولة الإختراق من قبل الشخص و الإنسان لتلك المحرمات و انتهاكها لـ ربما يخّلق نوعاً من التعويض كما ذكرنا عن فكرته مطولاً و مفصّلاً و قد يبعث في نفسنا الشعور بالراحة و ابعاد القلق الناشيء عن الإنفصال .



قبل الختام الجزئي ـ ( فهناك جزء أخر لهذه الدراسة فهي لم تزل قيد البحث ) ـ حبّذا و الذكر بأنني قد قمت بعمل احصائيات حول مسألة التدخين إزاء كون المدخن من ذوي الرضاعة الطبيعية أم لا و في صدد المرحلة العمرية للإنفصال و العودة للتدخين ( الهوّة الكبتية النفسية ) و حول بعض المسائل عن الوضع الإجتماعي لدى كل عائلة من عائلات المدخن و غيرها من تلك التفاصيل التي بصددها موضوع دراستنا و قد نالت عملية البحث و الإستقصاء دعما ً لا بأس به لأرائي َ المسبقة أعلاه .

مما قرأته وحاز على إعجابي