الجليس وأثره

الجليس وأثره


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الجليس وأثره

  1. #1

    Come الجليس وأثره

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    الجليس الصالح: هو المستقيم على طاعة الله، الممثل لأوامره، المؤدي لفرائضه، المنتهي عن نواهيه: الواقف عند حدوده، المستقيم في سلوكه وأخلاقه، المتخلق بالأخلاق الكريمة، المجتنب للرذائل والسفاسف من الأمور، الواصل لرحمه، البار بوالديه، المحسن لجيرانه، الحليم المتواضع، المحسن إلى الناس مع التباعد عن أذيتهم.
    وبالجملة: (فالجليس الصالح هو المستقيم عقيدة وعملا وسلوكا).

    والجليس السوء: على العكس من ذلك فهو المنحرف عن الجادة، التارك لطاعة الله المقصر في أداء الطاعة والفرائض، المجترح لمحارم الله، المتجاوز لحدود الله، المنحرف في سلوكه وأخلاقه، المتخلق بالأخلاق الرذيلة، الفاعل للدنايا وسفاسف الأمور، القاطع لرحمه العاق لوالديه، المسيء لجيرانه، كثير الغضب وسريعه المتكبر، المسيء إلى الناس والمؤذي لهم، وبالجملة فالجليس السوء هو المنحرف عقيدة وعملا وسلوكا.

    أثر الجليس الصالح:

    ولا شك أن للجليس الصالح آثاره الطيبة على جليسه إذ أن الجليس ينضح على جليسه، فالجليس الصالح جميع أحوالك معه وأنت في منم وخير، والخير الذي يصيب العبد من جليسه أبلغ من المسك الإذفر؛ لأنه إما أن يعلمك: ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك، فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله، وأقل ما يستفيد الإنسان من الجليس الصالح -وهو فائدة لا يستهان بها- أن ينكف بسببه عن المعاصي والسيئات رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعا عن الشر، وأن يحفظ في حضرتك ومغيبك، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك، وأن يدفع عنك بسب اتصاله ومحبته لك، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال ينفعك اتصالك بهم.

    أثر الجليس السوء:

    ولا شك أن للجليس السوء آثاره السيئة في العقيدة والسلوك والأعمال فهو ينضح على جليسه، فالجليس السوء جميع أحوالك معه وأنت في نقص وشر، والشر الذي يصيب الإنسان من جليسه أبلغ من الكير الذي يحرق الثياب والجسد؛ لأنه إما أن يدعوك إلى ما يضرك في دينك ودنياك أو يزهدك في الخير، أو يشجعك على إقامة ما يضرك كعقوق الوالدين، والخروج عن طاعتهما وقطيعة الأرحام، ويخفي عليك عيوب نفسك ويدعوك إلى دنايا الأخلاق وسفاسف الأمور بقوله وفعله وحاله، وأقل ما يتضرر به الإنسان من جليس السوء -وهو ضرر لا يستهان به- الاستمرار على المعاصي والسيئات مجاراة للصحبة، وإفشاء أسرارك وأن تذم بسبب اتصاله بك ومحبته لك، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال يضرك اتصالك بهم، وحسب المرء أن يعتبر بقرينه وان يكون على دين خليله كما قال الشاعر:

    عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي

    وقد مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- الجليس الصالح والجليس السوء بمثالين وهما: حامل المسك الصالح، وحامل الكير، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة» [متفق عليه واللفظ لمسلم].

    والحكمة والقائدة من المثالين هو تقريب المعقول من المحسوس، واعتبار أحدهما بالآخر والعبور من الشيء إلى نظيره، والاستدلال بالنظير على نظيره، وتشبيه الشيء بالشيء في حكمه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب الأمثال لتقريب المارد وتفهيم المعنى، وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثل الذي مثل به، فإنه يكون أقرب إلى تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره، فالجليس الصالح جميع أحوالك معه وأنت في مغنم وخير، كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك إما بهبة أو بعوض وأقل ذلك مدة جلوسك معه وأنت قرير العين برائحة المسك، والجليس السوء جميع أحوالك معه وأنت في نقص وشر كنافخ الكير الذي تضر منه إما بإحراق ثيابك، وإما بوجود رائحة خبيثة وأقل ذلك مدة جلوسك معه وانت كئيب النفس برائحة الكير.

    كما أن الله -تعالى- لما قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] دل -سبحانه- بالنظير على نظيره فجعل إحياء الأرض بعد موتها نظير إحياء الأموات، وإخراج النبات منها نظير إخراجهم من القبور، وكما قال -تعالى-: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69]، فأخبر أن في هذه الأمة من يستمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله بخلاقهم ويخوض كخوضهم وأن لهم من الذم والوعيد كما للذين من قبلهم فألحقهم بهم في الوعيد وسوى بينهم فيه كما تساووا في الأعمال، وكما في قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] فهذا قياس تمثيلي، فلما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت، ولما كان المغتاب عاجزا عن دفعه عن نفسه بكونه غائبا عن دمه كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه فأنكر عليهم أن يحب أحدهم ذلك مع أن نظيره ومثيله مكروه لهم فاحتج عليهم بما كرهوه على ما أحبوه.

    فوائد صحبة الأخيار ومجالستهم ومحبتهم:

    قد وردت النصوص من الكتاب والسنة في فضل صحبة الأخيار ومجالستهم ومحبتهم فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» [حسنه الألباني]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني] والخليل: الصديق، وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المرء مع من أحب» [رواه البخاري]، وفي رواية قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم قال: «المرء مع من أحب» [رواه البخاري]، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل أن يختار الزوجة ذات الصحبة الطويلة وصاحبة الدين ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه واللفظ لمسلم]، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم: «ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» [رواه البخاري]، وقد أمر الله نبيه أن يجلس مع خيار المؤمنين الذاكرين الله وأن يصبر نفسه في الجلوس معهم ونهاه عن طردهم فقال -تعالى-: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيا سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء، يقال إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم الضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود فنهاه الله عن ذلك.

    ولصحبة الأخيار فوائد لا تعد ولا تحصى، فهي توجب له العلوم النافعة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، وتوصل العبد إلى أعلى عليين، ومودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها، والخير لا يصحب إلا البررة وأهل المروءات، ومن أعظم نعم الله على المؤمن أن يوفقه لصحبة الأخيار فصار صحبة الأشرار ومحبتهم لها ضرر بليغ وهي أضر على القلوب من السم الزعاف للأبدان فإن هذه المحبة تنقلب عداوة يوم القيامة حيث أنها كانت لغير الله كما قال -تعالى-: {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وسوف يكون مع من يحبهم كما في الحديث: «المرء مع من أحب» [رواه البخاري]، وسوف يندم صاحب الأشرار يوم القيامة ويعض أصباع الندم قال -تعالى-:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا} [الفرقان: 27- 29].

    فالظالم يعض أصابع الندم أسفا وحزنا في ذلك اليوم على اتخاذه الشرير خليلا له حيث صرفه عن طريق الهدى، وأورثه طريق الشقاء والضلال، كما أن أتباع الرؤساء والكبراء ممن أئمة أهل النار يندمون في النار حينما تقلب وجوههم فيها ويعتذرون بأن طاعتهم للسادة والكبراء هي التي أضلتهم السبيل القويم، قال -تعالى- حكاية عنهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 66، 67].

    وصحبة الأشرار تحرم الإنسان من العلوم النافعة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة وتوصله إلى أسفل سافلين.
    ومن عقوبة الله لعبده أن يبتليه بصحبة الأشرار فإنهم مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم، وشر على من خالطهم فكم هلك بسببهم أقوام وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون!، ومودة الأشرار سريع اقطاعها بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبا فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر، والعاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار، وصحبة صاحب السوء قطعة من النار وتعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي بعهده والواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة الشرير الذي إذا ذكر الله لم يعنه، وإن نسي لم يذكره وإن غفل حرضه على ترك الذكر.

    تأثير الجليس على الناشئة والمراهقين:

    الناشئ والمراهق سريع التأثر فينبغي اختيار الجليس للناشئ لأن الجليس الصالح يدعوه إلى مكارم الأخلاق ويحثه على بر الوالدين وصلة الأرحام، والمحافظة على فرائضه، ويكره إليه المعاصي، وجليس السوء يدعوه إلى رديء الأخلاق ويدعوه إلى عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وإهمال فرائض الله، أو التساهل بها، ويهون عليه المعاصي فيتجاسر عليه وهو سريع التأثر والميلان في هذه الفترة من عمره، ولذا ينبغي الاهتمام به والاعتناء غاية الاهتمام لخطورة هذه المرحلة.

    وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


    لفضيلة الشيخ: عبدالعزيز بن محمد الراجحي
    :d

  2. #2

    افتراضي رد: الجليس وأثره

    مشكور على الموضوع..

    لاعدمنا جديدك..

    دمتم..

  3. #3
    هكر متميز الصورة الرمزية hooos
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    في كوكب لوحدي
    المشاركات
    1,878

    افتراضي رد: الجليس وأثره

    مشكور والله يعطيك العافيه
    موضوع مفيد <<
    بالتوفيق

  4. #4

    افتراضي رد: الجليس وأثره

    مشكور يا الغالي الله يعطيك الف الف عافية

المفضلات

أذونات المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •