1- نصب الصراط على متن جهنم
الصراط هو: الجسر المنصوب على متن جهنم حيث يمر الناس عليه.
فبعد مفارقة الناس للموقف يمرون على ذلك الصراط، وحشرهم وحسابهم يكون قبل الصراط، فإن الصراط عليه ينجون إلى الجنة، ويسقط أهل النار فيها، كما ثبت في الأحاديث( ).
ومما جاء من الأدلة في إثبات الصراط والمرور عليه:
قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72].
وقد ذكر جمع من المفسرين أن المراد بهذا المرور على النار، فيصدر المؤمنون ويجاوزونها بحسب أعمالهم ويسقط فيها من لم يحمله عمله على الجواز، أما الكفار فيقحمون في النار ويكردسون فيها بعد حشرهم إليها.
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية:
وقوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي إذا مَرَّ الخلائق كلهم على النار، وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي، بحسبهم، نجَّى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيُخرجون خلقًا كثيرًا قد أكلتهم النار، إلا داراتُ وجوههم – وهي مواضع السجود – وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ، ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}( ).اهـ.
ومما جاء من الأحاديث في إثبات الصراط:
ما رواه البخاري رحمه الله في «صحيحه»( ) عن أبي هريرة  في حديث طويل في شأن الرؤية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ويُضْرَبُ جسْرُ جهنم، فأكونُ أولَ من يُجِيز، ودعاء الرسل يومئذٍ اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قَدْرَ عِظَمِها إلا الله، ثم ينجو...» الحديث.
وبوب عليه البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من صحيحه فقال: بابٌ: الصراط جسر جهنم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة في وصف المرور على الصراط – قال: قال رسول الله : «وترسل الأمانة والرحم، فتقوم على جَنبَتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيء كالبرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كَمَرِّ الريح، ثم كَمَرِّ الطير وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيئ الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا، قال: وعلى حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار»( ).
وفي ختام هذه الفصل نأتي – أيها القارئ الكريم – على موضع العظة والعبرة التي تمثلت في أحوال السلف الصالح، حيث كانت الآخرة هي همَّهم الأول وشغلهم الشاغل فأسهرت ليلهم وعكَّرت صفو عيشهم، وعلموا ألا راحة إلا بالاستقرار في دار النعيم.
فها هي أم المؤمنين تبكي بين يدي النبي ، فسألها، عن بكائها حيث لم ير في ظاهر الأمر ما استدعى بكاءها، فقالت رضي الله عنها: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز» رواه أبو داود( ) وفي رواية: «الزالُّون والزَّالاَّت يومئذٍ كثير» رواها إسحاق بن راهويه( ).
ويروي عبد الرزاق في «مصنفه»( ) عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة واضعًا رأسه في حجر امرأته، فبكى ، فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ فقالت: رأيتك تبكي فبكيت. قال: إني ذكرت قول الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
[مريم: 71]، فلا أدري أنجو منها أم لا؟
وروى ابن جرير الطبري أن أبا ميسرة العابد كان إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أُخبرنا أنَّا واردوها، ولم نُخْبر أنا صادرون عنها( ).

* * *