حول غيبة الكفار

رقم السؤال: 2049

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان يدرس معنا نصراني كافر وكنت ممن يغتابه تبياناً لأن كفره فرّق بينه وبين المسلم الذي له حرمه ولا تجوز غيبته
وقد استدللت بقول الله تعالى ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) الحجرات
فقال بعضهم المقصود الأخوة الإنسانية فقلت معاذ الله فالله قد فرق بيننا وبين القوم الكافرين ولا يمكن بأي حال أن يصف الله من كفر برب موسى وهارون أخاً لك
فأرجو منكم توضيح المسألة بالأدلة
بارك الله فيكم وفي علمكم
أرجو أن تدعو لي بالهداية والثبات والجهاد والاستشهاد
أخوكم أبو عبدالله التميمي


السائل: القعقاع التميمي

المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله أنّ العاقبة للمتّقين ، و أن لا عدوان إلاّ على الظّالمين .
و بعد : من قبائح الذنوب و كبائر الآثام الّتي حذّرنا الله منها هو القول عليه سبحانه بلا علم ، بل جعل الله القول عليه بلا علم يفوق الشرك بالله تعالى إن كان فيه تغيير و تحريف لشرعه ، قال الله تعالى : " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) " ، من سورة الأعراف .
فلا يجوز أن نُخضع النصوص الشرعية إلى مصطلحات حادثة ، و قد تكون مخالفة لما جاء في الكتاب و السنّة ، كمصطلح الأخوة الإنسانية ثمّ نُخضع الشرع إلى هذا المصطلح الحادث و المضاهي لما جاءت به الشريعة ، فهذا الصنيع هو جناية على النصوص الشرعية ، و هو التقوّل على الله بلا علم .
ثانيا : الأخوة المذكورة في القرآن و السنّة هي الأخوة الإيمانية الّتي تفوق الرابطة الأسرية و الرابطة القومية أو الوطنية .
ثالثا: ما يجب أن يُدركه المُشار إليه في السؤال هو أنّ من أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله و البُغض في الله و الموالاة في الله و المعادة في الله ، هكذا جاءت الأحاديث عن النبيّ عليه الصّلاة و السّلام مستفيضة ، و إنّ الضابط في الحبّ و البُغض هو مدى إلتزام المرء بشريعة الإسلام ، فكلّما كان ملتزما بالشرع أحببناه و واليناه ، و كلّما ابتعد عن الالتزام بالشرع أبغضناه و عاديناه ، فكيف بالكفار الّذين كفروا بما جاء به النبيّ عليه الصّلاة و السّلام عن ربّ الأنام إمّا إباءا و إستكبارا ، و إمّا إعراضا ، و إمّا تكذيبا و جحودا ؟ ، فلا شك في وجوب بغضهم و معاداتهم ، فليحذر المرء نفسه أن تزلّ قدمه في هذه المسألة الّتي تُعتبر من أهمّ مسائل الإيمان ، كما أشار إلى ذلك النبيّ عليه الصّلاة و السّلام بقوله : " أوثق عرى الإيمان .." .
رابعا : قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)" من سورة الحجرات .
في هذه الآية ينهى الله عن الغيبة في قوله : " وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً " ، و الخطاب موجّه كما في صريح الآية إلى المؤمنين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " ، فلا يجوز حمل هذه الآية على غير المؤمنين .
و جاء في الحديث الصحيح الّذي رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة أنه قيل: يا رسول اللّه، ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
و الشاهد قوله : " "ذكرك أخاك بما يكره" ، و يعني بالأخوة الأخوة الإيمانية ، لقول ربّنا جلّ في علاه : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " الآية التاسعة من سورة الحجرات ، و لم يقل ربّنا إنّما البشرية أو الإنسانية إخوة .
فإذا أصرّ قوم على هذا المصطلح أي الأخوة الإنسانية فلا يجوز أن يُخضعوا نصوص الشريعة لهذا المصطلح الحادث .
خامسا : ما يجب أن يعلمه الأخ المشار إليه في السؤال أنّه ليس للكافر حرمة في ديننا ، و ذلك جزاء كفره بشريعة الإسلام ، قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فيما رواه مسلم في صحيحه : " ... المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى ها هنا - ويشير صلّى الله عليه وسلّم إلى صدره ثلاث مرات – بحسب إمرىء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم ، كلّ المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ".
فقال : " المسلم أخو المسلم " ، و لم يقل الإنسان أخو الإنسان ، و الشاهد على ما أريد قوله ، هو قوله صلّى الله عليه و سلّم : " كلّ المسلم على المسلم حرام " ، و لم يقل كلّ إنسان على إنسان حرام ، " دمه وماله وعرضه " ، فهذه حرمات المسلم ، دمه و ماله و عرضه ، و ليس للكافر حرمة في هذه .
سادسا : إذا كان الكافر حلال الدم و المال و العرض يجب أن يكون ذلك بالضوابط الشرعية ، و ما يهمّنا في هذه المسألة هي مسألة العرض و منها : أنّه لا يجوز الكذب على الكافر في غيبته فإن فُعل فقد بُهت ، و البهتان نوع من أنواع الظلم ، و الظلم محرّم كلّه في ديننا ، روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلي الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى ، أنّه قال : " يا عبادي : إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعـلته بيـنكم محرما ؛ فلا تـظـالـمـوا...".
و الشاهد قوله تبارك و تعالى : " يا عبادي " و الخطاب موجّه إلى البشرية جميعا ، " إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعـلته بيـنكم محرما ؛ فلا تـظـالـمـوا... ، فالظلم محرّم كلّه على كلّ بني البشر .
سابعا : أنصح الأخ السائل أن لا يُضيّع وقته في غير طائل بأن ينشغل بغيبة ذاك الكافر إلاّ إذا كان في ذلك مصلحة كأن يُحذر من دينه ، أو أن يُحذّر منه الناس إذا رأى اغترارهم به و هو يعلم عن حقيقة حاله ، و هكذا .
و الله أعلى و أعلم .




أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو حفص سفيان الجزائري