يكثر الحديث عن أفضلية لغة برمجة معينة عن لغة أخرى بين الحين والآخر فكان هناك زمان كانت هناك لغة الفورتران والباسكال والسي والبيسك هم على السطح وكان المتخصصون في ذلك الزمن يدافعون عن لغاتهم بطريقة قتالية فكان من يبرمج بالفورتران يقول انها لغة رياضية ولا يمكن للغات الأخرى تمثيل القيم الخيالية (x + i y) وكنا نخضع أمام هذا الرأي وندافع عن لغاتنا بأننا يمكن حل هذه المشكلة بمجموعة دوال ولكن الجاهز غير. وكان وما زال مبرمجي لغة السي هم الأساتذة المتفاخرون بلغتهم والتي هي حقيقة أم اللغات وهي التي يبرمج بها أعقد وأضخم الأنظمة. وكان مبرمجي الباسكال يدافعون عن لغتهم بأنها اللغة المهيكلة والأكفأ في هذا المجال وأنها أكثر اللغات إستخداما لطلبة الجامعات كلغة تطبيق للتقنيات البرمجية وكنا نحن المتخصصون بلغة بيسك لا نقدر أن ننطق ببنت شفة أمامهم وإذا تجرأنا يرد علينا بأن لغتكم لغة المبتدأين. ولا ننسى أن جميع هذه اللغات هي لغات متعددة الأغراض.
لم نعلم ولم يعلموا أن عيب أن تكون لغة البيسك لغة مبتدأين هو الذي جعل هذه اللغة أكثر اللغات إستخداماً والسبب أنها حقيقةً كانت للمبتدأين وعليه كان يجب أن تكون مبسطة جداً وأوامرها واضحة ولا يفرض على المبرمج تحديدات عدد أحرف السطر البرمجي ولا أين يوضع كل جزء منه (كما في فورتران القديمة) ولا يجبرنا على الرموز والفواصل والأقواس لتحديد نهايات الأسطر ونهايات التكرارات Loops أو الاجراءات (مثل لغة الباسكال) ولا أن نكون خبراء بأحشاء الحاسب الآلي وعبقرية مصمميه ولا ببناء جميع اجزاءه لبنة لبنة لكي نحصل على برنامجنا (مثل لغة السي). وإنما كان تركيز لغة المبتدأين (البيسك) على الإنتاج البرمجي وبمساعدة تعدد الأغراض الموجود فيها. وبذلك كنا في الثمانينات قادرين على العمل في جميع المجالات البرمجية مثل التقنيات البرمجية والرياضية وقواعد البيانات والرسومات وواجهة المستخدم بكفاءه تفوق من درس لغته بنفس المقدار من الزمن.
ولغة FoxPro التي لاتستحق ان ننساها كانت متخصصة بإنتاج برامج قواعد البيانات (لم تكن متعددة الاغراض وهذا عيبها) وهذه البرامج الأكثر طلباً في الأسواق في ذلك الزمن كان مبرمجوها يتفاخرون علينا وكنا نعلم أنهم يعانون من عرض أي صورة من خلال برامجهم إلا إذا إنتقل الى شاشة ثانية.
ما بعد سنة 1984 كانت جميع اللغات متعددة الأغراض (ما عدى أمّهم السي) متقاربة بالكفاءه لو كانت المقارنة بين الإصدارات حسب تواريخ إنتاجها ولكن كانت البيسك تتميز بالوضوح الغير طبيعي ففي الوقت الذي استغرقه زملائنا في عدم نسيان الفاصلة المنقوطة في آحر السطر و Down To التي تحدد انخفاض قيمة التكرار Loop وعبقرية الأساتذة الأغبياء في أن الإجراء أقوى أم الدالة كنا نحن مع البيسك منطلقين مع الرسم المتقدم وبرمجة الألعاب وقواعد البيانات وأصول التمثيل.
وقتها كنت مدرس في جامعة الأنبار في العراق 1990 – 1995 وفرضت الدولة قراراً بوجوب دراسة برمجة الكومبيوتر على جميع التخصصات وهذه أول معركة قمت بخوضها وهي أننا قررنا تدريس لغة البيسك لجميع التخصصات ووافق جميع رؤساء الأقسام بذلك إلا قسم الفيزياء فرئيسه أصر على لغة فورتران لأنها اكثر علمية من البيسك (هو كان دارساً لها ولم يعرف شيء في البيسك) وبدأت السنة الأولى وفي نهايتها اعترض طلبة الفيزياء لأن طلبة قسم اللغة العربية وقسم التاريخ يبرمجون افضل منهم بكثير وبعدها خضع أمام لغة البيسك ووافق.
وبعد سنوات ظهرت الفيجوال بيسك (ما قبل الدوت نت) وتنافسها الدلفي (تطوير للغة الباسكال) والسي ++ والفوكس برو للويندوز ماذا حصل... !!! سأقص لكم ما مررت به من تجارب عملية.
كنت قبلها أبرمج على الكويك بيسك وحصلت على نسخة الفيجوال بيسك إصدار 2 فكان عبارة عن قرصين مرنين اي 3 ميكا بايت (تخيلوا الروعة) إستغرقت عملية الإنتقال وبدون مدرس 3 أيام انتجت اول مثال وبعدها تفهمت ماذا حصل من تغيير وبدأت بالتعرف على الأدوات والخصائص ثم الأحداث وكنت حينها في الأردن 1996 وكان لي زميل مبرمج ممتاز بالفوكس برو (انا ايضا ادرسها في ذلك الوقت وتمكنت من الانتقال للفيجوال فوكس برو) وحاولت أن ينتقل الى الفيجوال فوكس برو وهو أكفأ مني فيها نصبتها له وشرحت له الكثير ولم يتمكن من الإنتقال.
وكان لي زميل مبرمج جيد في السي ++ وتعلمت منه الكثير وأناقشه بكل ما يجول في خاطري وقد إنشغل عن زيارتي لمدة أسبوعين في هذه الأسبوعين عملت برنامج تعليم سرعة الطباعة للمكفوفين لطالبة عندي مكفوفة وعندما عاد تفاجأ عندما رأى البرنامج وتفاجأ أكثر عندما علم انني برمجته بالأسبوعين الماضية وأجابني (ولن أنسى تلك الإجابة) لا يكفيني شهر ونصف لعمل مثله بالسي... هنا فلنقف وقفة وقتها كنت أقول متى سأصبح مثل زميلي فانتبهت أن لغتي سريعة الإنتاج وسريعة التعلم ومايكروسوفت تدعمها كل الدعم. وتكرر هذا الموضوع معي بليبيا حيث شاركني أحد أساتذة الجامعة مشروعي فقط ليتعلمها مع العلم انه أفضل من جميع من درسني (دكتوراه في فلسفة علوم الحاسوب).
ثم جاءتنا الدوت نت وأصبح لدينا لغة تضاهي أقوى اللغات وبضمنها السي ++ حيث اصبح الفارق غير ملحوظ للمبرمجين حتى الممتازين منهم ولم نحتاج أي إمكانية في التطبيقات المطلوبة منا موجودة بالسي دون البيسك بكل معنى الكلمة وأنا من الناس إمتحنت أكثر من 500 مشروع تخرج (معهد عالي) وأشرفت على اكثر من 50 مشروع وبشتى المجالات من السيطرة على اجهزة خارجية الى التقنيات البرمجية المتقدمة الى برامج قواعد البيانات الى الالعاب والتعليمية. وهذا يدل على تعدد الأغراض العالي الموجود فيها.
وبذلك زملائي الأعزاء أن اسم اللغة ليس مهما وكذلك قوة لغتك ويجب ان لا يتفاخر مبرمج سي ++ وهو غير قادر على عمل برنامج ما عليها ويتفاخر على آخر يعمل بلغة متخلفة وضعيفة ولكنه قادر على عمل ذلك البرنامج.
خلاصة الكلام أن اللغات البرمجية تطورت أسرع منا بكثير ولا توجد في الوقت الحالي لغة برمجة حية (مستخدمة) هي غير جيدة وأنني أرى أن الغير جيد والغير كفوء والغير قوي هو نحن لاغيرنا.