العنوان:
هجر الوالدين من أجل المنكر!
المجيب:
عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف:
الفهرسة/ فقه الأسرة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام التاريخ 21/4/1428هـ
السؤال:

معلوم أن الهجر من الوسائل التي يلجأ لها الناهي عن المنكر، فهل الوالدان مستثنيان من هذا؟ بحيث لو تلبسا بمعصية ورأى الابن أن الهجر وسيلة ناجحة لصدهما عن المنكر، فهل يجوز له أن يهجرهما؟



الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده
ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد: فقد أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل برَّ الوالدين ِ مقروناً بذلك، كما قرنَ شكرهما بشكره، فقال سبحانه:"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً". [البقرة:83]. وقال سبحانه " أن أشكر لي ولوالديك إليَّ المصير" [لقمان:14]. وفي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود رضي الله عنهٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟قَالَ:" الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:" بِرُّ الْوَالِدَيْنِ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:" الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّه"ِ . صحيح البخاري (527) وصحيح مسلم (85).
وإذا كان البرُّ واجباً فإن العقوق محرَّمٌ ، وهو من الكبائر العظيمة المأمور باجتنابها، كما قال تعالى:" قل تعالوا أتل ما حرَّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ" . أخرجه مسلم (2551).
ولا يختَصُّ الوجوب بالأبوين المسلمين الصالحين، فيجب على الولد برُّ أبويه، وإن كانا فاسقين فيطيعهما بالمعروف، بل وإن كانا كافرين فيحسن إليهما ويصاحبهما بالمعروف، قال الله تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً".[لقمان:15].
وفي الصحيحين عن أَسْمَاءَ رضي الله عنها قَالَت: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِهَا فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ "نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ". صحيح البخاري (2620)، وصحيح مسلم (1003).
وإذا رأى الولد من أبويه معصية محققة وجب عليه أمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر بغير عنف، ولا إساءة، ولا تغليظ كلام، مع الدعاء لهما ، والاستعانة بمن يعلم أن له قبولاً عندهما، فهما أحق من عمل معهم المرء بقوله سبحانه:" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " [النحل: 125].
قال الإمام أحمد: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يُكلِّمه من غير عُنف، ولا إساءة، ولا يُغلظ له في الكلام، وإلا ترَكه، ليس الأب كالأجنبي، أسأل الله تعالى أن يهدينا ووالدينا صراطه المستقيم، وأن يغفر لهما ويجزيهما عنا خير ما جزى والداً عن ولده، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.